و كم منا يعيش تعيسا في دوائره المغلقة خوفا من مواجهة الحياة خارجها …و كم منا يسكب آخر قطرات مداده على نفس الصفحة، خوفا من فتح صفحة جديدة ..و كم منا تموت روحه ببطئ في مكان ما و لا يغادر ، خوفا من الأماكن المبهمة ..و هناك حيتُ عَلِقتْ روحك ، يأتي الألم كأمواج من اللهب الساخن ، يحرق كيانك ..و أنت ، لا تفهم ذلك الألم ..تُعامله على أنه ضيفٌ سوف يترك ديارك يوما ما ، لكنه يبقى …و تعامله كأنَّه قدرٌ مكتوب عليك و تحاول التأقلم معه ، لكنه لا يتأقلم معك ، يسري في عروقك كوخز الإبر ، و كأن له معك ثأر …تشعر أنك وصلتَ إلى طريق مسدود ، و أحيانا كثيرة تستسلم لأشباح الألم أن تنهشك دون أن تُحرك ساكنا …ربما قد تكون لم تفهم جيدا أن الألم رسالة من الكون لك ، تدفعك أن تغادر مكانا ، أو علاقة ، أو عملا…و لكن لخوفك الشديد من المجهول ، تتشبث بكل قوتك بالذي تعودتَ عليه و لا تعرف غيره ، فنحن كبشر نخاف من التغيير و الغيب و البدايات الجديدة ..عقولنا حتى عند الخطر و العذاب النفسي ، تحاول أن تبحث في الحلول التي نعرفها و تعودنا عليها ، عقولنا لا تبحث خارج دوائرنا المغلقة و لا خارج صفحاتنا التي ملأناها بنفس السطور التي تحمل نفس الأخطاء …و أنت تُصلي لله شاكيا باكيا أن يفرجها عليك، لا تعرف بالتأكيد أنَّه جعلك تشعر بكل ذلك الألم حتى يطردك من منطقة راحتك التي لا تعرف غيرها …عندما تتألم روحك فهي تريد منك أن تأخذ خطوات بعيدة عن المكان الذي أنت فيه …روحك تتوق إلى هواء منعش خارج مستنقعات السموم التي لم تعرف غيرها ، و تحلم أن تفرد جناحيها لتعانق آفاقا جديدة غير السجون التي تعودت عليها ، و لكن تراكماتك تمنعك من أن تسمعها.تراكماتك تجعلك عبدا لظروف لا تُرضيك و لا تسعدك، و عقلك الباطن مكدس بالقيود التي تحرمك من أن تكون أنت ..و هاهو الله يزرع في عمق روحك كل ذلك الألم حتى يهيئك لولادتك الجديدة ، و لكنك لا تفهم الرسالة ، لا تستوعب أنك قد تدخل في صحوة تنسف كل ما كنت تعرفه عن الحياة …اذا فهمت رسالة الألم ، سوف تتق بالله و بأقداره التي تكون دائما في صالح من يؤمن أن أجمل الحكايات لا تُحاك إلا بخيوط الألم ، و أنِّ الولادات الجديدة يسبقها دائما مخاض عسير . في دائرتك المغلقة ، هناك شياطينك ، تراكماتك ، و خيباتك ..اذا اخترت أن تعيش داخلها فربما لن تعرف أبدا أن الله بكل بركاته و كرمه ، كان ينتظرك خارجها.
نسخ الرابط