منذ 11 شهر

الطريق إلى مكة.. عمل لطيف، خفيف، سمعت عنه منذ سنوات من إحدى قنوات ترشيح الكتب (بوكتيوبر) والتي لم أعد أذكر -للأسف- أيها كانت، لكني أذكر أني أحببت فكرة الكتاب حينها، لذلك حين وقع الكتاب أمام عيني على تطبيق «اقرأ لي» بادرت بالاستماع إليه، ولم أندم.كاتب هذا العمل هو الدبلوماسي الألماني مراد هوفمان، الذي أشهر إسلامه في العام ١٩٨٠، بعد أن قضى سنوات عدة سفيرًا وقنصلًا في سفارات بلاده في المغرب والجزائر، فتعرف على الإسلام في بلاد الإسلام، وتأثر به.في هذا الكتاب يحكي لنا هوفمان عن رحلته إلى مكة، حيث مكة هي وجهة الحاج، وحيث هي -أيضًا- مصدر الإسلام وقبلة كل مسلم.ففي الفصل الأول يروي الكاتب رحلة حجه والصعوبات التي واجهته، لكنه ينتقل بنا في باقي كتابه -المكون من اثني عشر فصلًا- إلى رحلته مع الإسلام وقضاياه، ففي الفصل الثاني يفصل فلسفته التي أدت به إلى الإسلام، وفي الفصل الثالث يروي لنا علاقته وعلاقة المسلم بالصلاة وتأثيرها عليه، وفي الفصل الرابع يحكي تخليه عن معاقرة الخمر -دون تردد- بعد إسلامه، وهو الذي كان يقيم حفلات تذوق للنبيذ قبل ذلك، واسم هذا الفصل خاصة معبرة تعبيرًا كبيرًا عن تفاصيله، فقد سماه مراد هوفمان «الإفاقة من السكر».وتتوالى الأفكار في فصول هذا الكتاب، ففي الفصلين التاليين يشرح الصوم وفلسفته وصعوبته، ونظرة الإسلام للطعام والشراب، وتعامل المسلمين معهما، ثم يتناول مسألة القدَر، ويحكي مواقف عدة من حياته، قبل الإسلام وبعده، يثبّت بها نفسه في كل موقف صعب، لأن قدر الله نافذ، ولا رادّ لقضائه.ثم ينتقل بنا هوفمان إلى قضايا تشغل العالم الغربي، وتؤثر على رؤيته للإسلام، وهي حب المال، وقضايا المرأة.وفي نهايةِ المطافِ يناقش الدبلوماسي المسلم ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع الإسلام والمسلمين، وضعف الموقف الإسلامي -خاصة في العالم الغربي- والعراقيل التي يضعها العالم الغربي أمام كل من يحاول إعلاء صوت الحق في بلادهم.ولعل هذه الفصول الأخيرة هي أكثر ما أعجبني في الكتاب، لقوة الأفكار، ومناقشة الصعوبات التي يواجهها المسلمون الذين يعيشون في بلاد الغرب، وقد نقل لي -من خلال هذا- صورة مقربة شيئًا ما عن واقع استمعت إلى الكثير العامّ عنه.وبالحديث عما أعجبني في الكتاب، فإني أذكر أيضًا حفاظ الكاتب على هويته الألمانية حتى بعد إسلامه، فهو ألماني مسلم، ليس ألمانيًّا فقط، وليس مسلمًا فقط، وكان هذا أحيانًا باختياره، وأحيانًا رغمًا عنه.ومن المواقف الطريفة التي رواها الكاتب خلال رحلة الحج، أنه كان، وعدد من المسلمين الألمان، يتصببون عرقًا في مكة المكرمة لأن الحرارة قد وصلت خمسًا وعشرين درجة! وقد أرجع هذا إلى طبيعتهم الألمانية التي تعودت أن الحرارة تكون بالسالب!وأما ما لم يعجبني في الكتاب أن هناك شيء من الحشو في بعض الفصول، وهذا الحشو يكون إما بسرد تفاصيل كثيرة -لا طائل منها من وجهة نظري- أو بتكرار فكرة معينة بعدة أساليب، دون طرح أفكار جديدة.وقد اختلفت مع الكاتب في عدد من القضايا، منها: أنه لم يعتبر الفوائد البنكية ربًا، وأنه عد فرض الحجاب على المرأة مقرونًا بظروف معينة، وفي أوقات خاصة.لغة الكتاب سهلة ومعاصرة، والترجمة سلسة، والأسلوب -بشكل عام- سلس ومترابط.وقد ساهم في استمتاعي بالكتاب صوت القارئ «أحمد مجدي» ولغته العالية.في الختام، لقد استمتعت بهذا الكتاب، ربما ارتبكت قليلًا في الفصل الثاني، حيث كنت قد أخذت العنوان بمعناه الحرفي فقط، لكن حين فتحت الجانب الآخر من النافذة، خرجت من ارتباكي واستمتعت.يمكنني أن أرشح هذا الكتاب لمن لديه حد أدنى من العلوم الشرعية، وكل من يرغب في التعرف على واقع المسلمين في الغرب -خاصة- وفي العالم -عامة- في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.وأعتقد أني سأعود للقراءة لمراد هوفمان يومًا ما، إن حييت.

Bazz Logo Download

استكشف محتوى ممتع ومشوق

انضم لأكبر تجمع للمجتمعات العربية على الإنترنت واستكشف محتوى يناسب اهتماماتك

تم نسخ الرابط بنجاح تم نسخ الرابط بنجاح
لقد تم ارسال الرمز بنجاح لقد تم ارسال الرمز بنجاح