٠٠ يوم من مطبخ ستييحكى أن فتاة في عمر الزهور كانت لا تبارح طرف رداء أمها تلازمه وكأنها قطعة منه..ترافقها كظلها حتى داخل مطبخ جدتها..وللمرة الأولى تترك ذلك الطرف حينما بدأت التجول بالعين داخل مطبخ الجدة..تكاد تتذكر تلك الروائح الذكية المختلطة والتي كانت تحفز سيلان لعابها فتهم بطلب الطعام من أمها..تقدم الأم على إعطائها قطعة خبز تسكت جوعها متبوعة بكلمة كلي هذه صغيرتي حتى ينضج الطعام..تضحك الجدة والتي تقترب من الصغيرة وتطبع قبلة حانية على وجنتيها وتجلسها بلطف في حجرها ومدت يدها داخل -سيالة جلبابها أي جيبها- البسيط ذو النقشات الهادئة واللون الداكن وتخرج قطعة من -الكراملة مسمى كان يطلق قديما على قطع الحلوى- وتعطيها للفتاة فتبتسم وتبادر خد الجدة بقبلة رضا..ظلت بجوار الجدة وباغتت تنظر وتسمع إرشادات الجدة لأمها وزوجات أعمامها فيما يتعلق بأمور الغذاء وطريقة إعداده على طريقتها الخاصة وتدلف قائلة: زيدي ملحًا، قليلي إدامًا، أكثري من ذاك النوع فولدي فلان يحبه هكذا، لا لا توقفي عن إضافة هذا فحماكِ يبغض طعمه..مع كل هذا مازالت الفتاة تتمعن النظر لهيئة المطبخ الذي كان بسيطًا جدًا بجدرانه الطينية المعلق على أحد جوانبه أقفاصًا من الجَريد بها مجموعة من الأواني بعضها من النحاس والأخرى ألومنيوم وسمعت الجدة تقول عنهم آنذاك -نملية- وعددًا من -الطاقات وهي أماكن غائرة بجدران المطبخ تحمل أحدها علب محفوظ بها التوابل وأخرى تحمل لمبة الجاز-احضرت الأم قدرًا ساخنًا أمام الجدة وطلبت الجدة أن تجلب لها -المفراك أداة مصنوعة من الخشب يهرس به الطعام بعد طيه-همت الجدة بلفه داخل القدر يمينًا وشمالا بحركات دائرية وعندما انتهت سكبت بعضًا منه للطفلة حتى تسد جوعها..أدخنة تتصاعد من قدور مغطاة ينبعث منها روائح جدًا ذكية..أصوات الوابير تارة تعلو وتحمر نيرانها وأخرى هادئة زرقاء لهيبها..أواني تجلى تصف وتشف بريقا..لم تنس الطفلة برودة المية التي شربتها من ذاك الزير المصنوع من الطمي النيلي بلونه الذي يضاهي حمرة خدود الصبايا الخجلى..شبعت الطفلة وتقوقعت داخل حجر الجدة وغاطت في نوم عميق فما أجمل دفء حضن الجدة!أم͠ان͠ي͠🦋
نسخ الرابط