ما زلتُ كلما ذكرتُ موتَه أو مررتُ عليه في كتب السيرة غشيَني الدمع، وإن ميتة الحبيب له ميتة واحدة ولأحبابه والمحتاجين إليه ميتات كثيرة تتجدد في كل وقت يحتاجونه فيه ويذكرون أنه قد مات.«رفع يدَه أو إصبعَه، وشخصَ بصرُه إلى السقف، وتحركت شفتاه، وأصغتْ إليه عائشة وهو يقول: مع الذين أنعمتَ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى.ومالت يدُه، ولحق بالرفيق الأعلى»هذه الـ «مالت يدُه» ما زالت تعصر قلبي!اللهم أجِرنا في مصيبتنا بموت سيدنا محمد، وأحيِنا على سنتِه حتى لو رآنا لأحبَّنا كما نحبُّه، ولا تُخلِّفنا عنه في موعد الحوض.

مسّاكم الله بالخير. كان من المفترض لغرفة الليلة أن تكون آخر غرفة قبل رمضان، وحتى الآن كنت أود أن أقوى لها، لكنني أعتذر عنها الآن لظرف مرضي، والعفو منكم والإعذار.نلتقي -إن شاء الله- بعد رمضان المبارك، لا تنسونا من صالح دعائكم.

يا رب، انزع من رأسي كل الأفكار المخيفة، ومن قلبي كل المشاعر السيئة، ومن عينيَّ كل ما لم تقسم لي به، ومن يديَّ كل ما يُصيّرُني إلى حال لا ترضاها لي.يا رب؛ أنا راضٍ عنك مهما يكن قضاؤك، لكنني أخاف ألا أرضى عن نفسي، ألا أغفر أخطائي، أن تأكلني الحسرة، ويُخيفني ألا تنظر إليَّ بعد هذا كله.

أصرَّ سيدُنا موسى -عليه السلام- على اليقينِ بمعيةِ اللهِ رغمَ استحالةِ الأسباب، البحرُ أمامَه، العدوُّ من خلفِه، وأصحابُه بالعيونِ التي ترى بحقائقِ الواقع قالوا: "إنَّا لمُدرَكون"، فقالَ بإصرارٍ عجيب: "كلا"، هذه الـ "كلا" نفيٌّ قريبٌ إلى قلبي جدًّا، "إنَّ معيَ ربي سيهدين".وكانَ ما حصلَ أنَّ اللهَ أوحى إليه أن يضربَ بعصاه البحرَ ففلقَه له فكانَ كلُّ فِرقٍ كالجبلِ العظيم، مُعجزةٌ لا مثيلَ لها ولا سابقةَ بسببٍ غيرِ ممكنٍ بمقاييسِ الأرض: العصا!وهذا إدهاشُ القديرِ إذا أيقنَ العبدُ بقدرتِه ومعيتِه وآمنَ من قلبِه أنه لا يتركُه ولا يُسلمُه.أُحبُّ أن أُفكرَ في يقينِ سيِّدِنا موسى، كيف اكتسبَه ومن أيِّ شيءٍ كانَ يستمدُّ ثقتَه، فأذكرُ أن الله كان يكلِّمُه، وأذكرُه عندما "أوجسَ في نفسِه خيفة"، أوجسَ فقط، لم يبح ولم يصغ مخاوفَه في دعاء، فقال له ربُّنا: "لا تخف؛ إنكَ أنتَ الأعلى"!فأجدُ يقينَه فيه أمامَ أفظعِ أسباب الدنيا وأدعاها للهلكةِ ناتجًا نابعًا من تعويدِ اللهِ إياه على أنه معه، يسمعُه ويرى أخفى خفايا نفسِه، يعلمُ مخاوفَه قبلَ أن يُفكرَ في النطقِ بها، لقد كانَ اللهُ معَ سيِّدنا موسى في كلِّ موقفٍ قبلَها فكيف لا يقولُ الآن كلا؟ هذا ما أحسنَ صياغتَه الشاعرُ حيثُ قال: اللهُ عوَّدكَ الجميلَ فقِسْ على ما قد مضى.

كأنثى لم أُرَبَّ قط على أن أتذمَّر من شُغلِ البيت، عُلِّمتُ أن احتياج غرفة المعيشة للكنس والتنظيف يعني أننا اجتمعْنا فيها: "اللهم أدِم هذا الجمع"، وترتيب غرف الصغار يعني أنهم في صحةٍ جيدة: "دومًا أصحاءَ يا رب"، وأن وِقفة المطبخ تعني أن عندَنا ما نطبخُه: "لا تقطع الخير منا آمين"، وامتلاء الحوض بالأطباق والأواني يعني أننا لم نبتْ جوعى: "الحمد لله؛ أدمها نعمةً واحفظها من الزوال"، وتنظيفَ غرفة استقبال الضيوف يعني أنَّ ضيفا شاركَنا الوقتَ واللقمة: "اللهم ازرعْ مزيدًا من حُبِّنا في قلوبِ خلقِك"، وهكذا؛ كل تعبٍ بإرجاعه إلى أصلِه هو تجلٍّ لنعمة.كبنتٍ لامرأةٍ سليمةِ القلب تأخذ الحياةَ من وجهها الأجمل تعودتُ أن أُثمِّنَ ما عندي من النعم وأحمدَ الله عليها، تعلمتُ أن التنظيف خلفَ صغارِ البيتِ أمرٌ شاق، لكنه لن يكونَ أشقَّ عليَّ من مرضٍ يمنعُهم من صنع الفوضى، وأن وقفة المطبخ قد تؤلمُ الظهر، لكن عدمَ امتلاكِ ما أطبخه سيؤلم روحي، وأن وقفة حوض المطبخ قد تُتعب جسمي، لكن نظافة الأطباق والأواني ستؤلمُني إذا لم تُستخدم لأيام. تعلمتُ أن البيتَ الذي لا يحتاجُ تنظيفًا وشغلا هو البيتُ الذي ليس فيه الأنسُ واللمة، وأن إحدى جداتي كانت لا تتعب في تنظيف بيتها إلا مرة كل أسبوعين أو أكثر لأنها كانت تعيشُ وحيدة.تثمينُ النعمِ أولى بالعبد الشكور من تعدادِ الأتعاب، ليس على امرأةٍ أن تضيقَ نفسها بشغل بيتها، وإنما يحدث أن تكلَّ صحتُها ولهذا ما يجبرُه؛ كالاستعانةِ بالله والذكر قبل النوم: "ألا أدلكِ على ما هو أفضل من خادم.."، وكتربيةِ صغار البيت وكباره على البرِّ والمرحمة فيساهمَ كل منهم في شغل البيت بسهم فتخف الأعباء. هذه هي الحلولُ الناجعةُ لثقلِ الشغل، أما التذمر منه وشتمُه وتعذيبُ الصغار به فجحود للنعمة لا يحلُّ ولا يستجلبُ إلا الفقر.اللهم ألهمنا الحمدَ في كل وقتٍ وتابعْ علينا الخيرات.

تم نسخ الرابط بنجاح تم نسخ الرابط بنجاح
لقد تم ارسال الرمز بنجاح لقد تم ارسال الرمز بنجاح