منذ 4 أيام
منذ شهران

الساعة الآن تقترب من الرابعة فجرًا، كان قراري بعدم الكتابة بعد الأول من هذا العام قرارًا ظالمًا لنفسي، لا أجد سببًا لعدم كتابتي سوى أن الملل يقتلني الآن، ولا وسيلة أخرى لدي.هذه مناسبة جيدة وأنا بين زخّات الرصاص والقذائف أن ألعن العالم الانتقائي في اختيار القضايا، تحت بند (مسؤول المتابعة والتقييم) في طرق القتل، واختيار الطرق الأكثر انسانيةً وأقل دموية في قتلنا. أما عن الخوف، فإن خوفنا الآن يتمحور حول اختراع طرق جديدة للأطفال في التعبير عن خوفهم غير الصراخ، لأن الصراخ هنا معناه أنك حي، وهذه مصادفة خطيرة لا يريدها الطرف الآخر.والخوف الآخر هو في سد احتياجاتنا والأطفال من الأكل والشرب، وهذا يلتف حوله الكثير من الأسئلة التي متعمدًا لن أقوم بطرحها كي يتثني لك عزيزي القارئ أن تتخيل، وآه كم أشتاق للخيال.الساعة الآن الرابعة والنصف فجرًا، وقد استغرق مني هذا النص دقيقتين في الكتابة، وباقي الدقائق في حبس أنفاسي كي لا أقوم بازعاجكم وأنا أعبر عن خوفي وتعبي.ليلة سعيدة.

منذ شهران

لابد أن تعرفوا أن هناك شكلًا آخر للحزن غير الذي تعرفونه.عندما أشاهد الرجال يودّعون أبنائهم، قبل أن (يذهبوا جريًا لالتقاط لقمة عيشهم) وهذا ليس مجازًا.. وقد رأيت الكثير منهم يموتون لأجل لقمة عيشهم، وهذا هو داعي وداعهم لأطفالهم.. وهذا داعي للحزن، ونسميه الحزن الجائع.رأيت طفلًا الحروف تخرج من فمه مترددة، وفي عينيه معنى الفرح.. يخبر جميع من يمر به أن على شارع البحر يوجد مساعدات كثيرة (روحوا وفرحوا ولادكم).. وهو لا يدري أن هذا اسمه الحزن المتردد.وعندما أسمع عن أصدقاء لي، قضيت معهم طفولتي وأيام عمري.. وأقارب آخرين، لقوا حتفهم في الحرب. ولا أحزن لفقدهم. فهذا هو الحزن القريب.وعندما أمر في المدينة، وشوارعها البالية الرمادية، وأشاهد الناس وأعينهم.. غائرة، هزيلة، مُتعبة، باردة، مرتجفة ولا كلام لديهم ولا طعام. أبكي حزنًا على حزنهم. وهذا هو الحزن الغريب.لو كان الحزنُ قوتًا لما ظلّ انسانٌ هنا جائع، لأن لدينا من الحزن ما يكفي لإطعام الكوكب جميعه والكواكب المجاورة.عندما نعيش كل هذا وأكثر، ولا نحزن.. فهذا الحزن بأم عينه.

منذ 6 شهور

مرحبًا، أحمد من غزة بيحكي معكم.أخشى ما أخشاه أن يتحول اسمي إلى خبرٍ عاجل، كأن يقول الخبر مثلًا: “انتشال عدد (كذا) من الضحايا خلال قصف عنيف على منطقة (كذا)”، وأن أتحول إلى رقم بليد بجانب عدّاد الأرقام الذي لم يتوقف حتى هذه اللحظة. لا أحب أن يتحوّل اسمي وعائلتي إلى أرقام عادية فردية كانت أو زوجية.لي أحلامٌ كثيرة، مثلاً أن أسافر خارج عالم غزة إلى عالم أوسع، أكتشفه، أجرّب لغتي مع الآخرين، وأن أصدّق فعلًا المشاهد والصور والتجارب التي أراها عبر الانترنت والتي تُظهر العالم وتنوعه.أتحدث اليكم الآن وأنا لا أملك أي معلومة عن ما يحدث في الخارج، خارج بيتي أقصد الذي عدنا اليه بعدما قصفت منطقتنا قبل أيام، لا يوجد أي وسيلة تواصل مع أحد، أصوات القصف لم تتوقف، وقنابل الإنارة تضيء المنطقة مُنذرة بشيء ما لا نعرفه.أخشى ما أخشاه أن يتحول كل شيء إلى أحداث عادية، وأن العاديّ هو أن يُقصف المنزل، والغير عادي أنه لم يتم تحذيره بشكل مسبق. العادي أن يموت الطفل، والغير عادي أنه مات مات وهو يصرخ، وأشياء أخرى كثيرة لا يتسع لها نصٌ واحد.أنا أحمد، واصدقائي ينادونني (عاصم/ عصومي)، بالمناسبة لا أعرف أخبار الكثير من أصدقائي، أطمئن عليهم من خلال الفيديوهات القصيرة متى سنحت الفرصة أن أكون على الانترنت.. أتفقد جميع الوجوه، أطمئن أن أصدقائي ليسو من ضمنهم، وفي نفس الوقت أدرك أن جميع من هم في الصور والفيديوهات أصدقائي.. فأبكي.أنا أحمد وأكره منذ الطفولة دروس اللغة العربية والإعراب، أكره أسئلة أوجد الفرق بين شيئين، أكره الإجابات وأحب الأسئلة.. استوقفني سؤال قبل يومين (ما الفرق بين التصعيد والحرب؟) وتسائلت حينها أين تكمن أهمية السؤال طالما أن نتيجته واحدة: بكاء أم، وصراخ طفل.. هذا ان كان هناك فرصة للبكاء أو الصراخ.أنا أحمد وأخاف أن أموت وأصبح رقمًا عاديًا، وأن يذهب كل شيئ قبل أن أكمل النص.

منذ 6 شهور

وصلت لمرحلةٍ أخاف فيها من نفسي.لا أشعر بأي شيء، لا تدهشني الأخبار ولا تشدّني.أصبحت اقرأ الأرقام بشكل عادي جدًا، أكذب كثيرًا في اجاباتي عن سؤال (كيف حالك؟) ولا أهتم كيف هو حالي.لا يهمني من يكتب عنّا ومن لا يكتب، فما فائدة الكتابةِ أصلًا وعند كل كلمة يسقط صديق؟المنازل التي تقع على رؤوسنا أصبحت عادية، مشاهد النزوح المتكرر لا تأخذ من وقتي كي أفكّر فيها وأعدّ لها الخطط.الأيام أصبحت تشبه بعضها، ولا أذكر المرة الأخيرة التي ضحكت فيها، أصلاً هل كنّا نضحك سابقًا أم أننا نتظاهر في ذلك أمام أنفسنا؟لا يحزنني مشهد قصف المنازل، بل وأشعر بالخجل من أن منزلنا لا زال قائمًا رغم تضرره الجزئي.الآن أصبحت أخاف من نفسي، لا من الحرب.الآن أدركت تمامًا أن هذه الحرب قتلت كل شيء فينا حتى شعورنا بالدهشة والحزن.

Bazz Logo Download

استكشف محتوى ممتع ومشوق

انضم لأكبر تجمع للمجتمعات العربية على الإنترنت واستكشف محتوى يناسب اهتماماتك

تم نسخ الرابط بنجاح تم نسخ الرابط بنجاح
لقد تم ارسال الرمز بنجاح لقد تم ارسال الرمز بنجاح