أحمد حماد

ما أتعسَ هذا اليوم ! ‏أودُّ لو أنه لم يكن، لو أنني استطعت تجاوزه بأي طريقة، هو يومٌ من أيام هذه الحرب اللعينة، حين لا تجد سوى اليأس يسكُنُك، وعندما تحاول الهروب منه فإنك تصطدم به، هو شيءٌ دخل في القلب و أصاب الجسدَ بكل أنواع الأسى كما أصاب البلد، حتى الأرض تغيّرت ملامحها لشدة احتراقها، المدينة كلها مليئة بالدمار والشهداء والمصابين والقهر ودموع الثكالى، انها مليئة بظلم الاحتلال، بصوت أزيز الطائرات، بشعور الوحدة والخذلان، بالوجوه الشاحبة و الأقدام المهترئة، بكل أشكال الموت المُنبعث من ظلام الأبد 😞💔بالسلامة يا غزة ❤️‍🩹.

لم أكن هكذا، لقد كنتُ رائعاً للغاية، ومازلت رائعاً، لكن ما أقصده هو أنني لم أكن بهذا الحذر والقلق والحزن والتعب الذي تراه جلياً على نبرة صوتي أو حتى على كل ما أقوله أو أفعله، كنتُ أعرف هذه الكلمات وأقرؤها، والآن أفهمها وأكتبها، والفرق شاسع لو تعلم، كما أن الفرق شاسع بين من كنت بالأمس وبين ما أكون اليوم بعد حرب تجاوزت النصف عام، كانت السماء في صدري صافية واليوم أصبحت مليئة بالغيوم، والمطر هو حصادي الذي أحبه، رغم الأجواء المثيرة للقلق رغم أن صفو السماء مُعكر، رغم كل شيء أحبه، لكنني أحياناً أتمنى لو أنني أعود فارغاً كما كنت " أي قبل لعنة الحرب "، أن أكون خفيفًا أستطيع انتحال شخصية ريشة حين أشاء، وأحلق دون حذر من السماء، دون قلق من عاصفة قادمة، دون أن يثقلني شيء. ألا توجد طريقة ليغادر المرء نفسه في نزهة قصيرة..!؟يبتعد عن كل ما يثقله دون أن يقلق على أي شيء أو من شيء، هل من الممكن أن يتجول خفيفاً كما كان لا يحمل في صدره مثقال ذرة من حزن..!؟ كيف يتخفف المرء إن كان لا يعرف ما الذي يثقله من كثرة الثقل..!؟ ثمة الكثير من التساؤلات التي لا أجوبة لها، لكنني لا أبحث عن الأجوبة، بل عن طريقة أنسى فيها التساؤلات، عن الخفة التي يمنحها الاطمئنان، محظوظ من كان لديه شيء يطمئنه، هناك أوقات يحتاج فيها المرء إلى أي شيء يربت على كتفه، ولو كلمة، ولو كذبة، تمكنه من النوم ليلاً وتمنحه الرغبة في الاستيقاظ غداً، أي شيء أي طريقة هنا تجدي نفعاً، إنه القلق عدو الإنسان الأول، الذي يمكن أن نفعل أي شيء للتخلص منه، ليحترق العالم إن كان الأمر يستدعي ذلك المهم أن أهدأ، ما الجدوى من عالم هادئ إن كنا نحترق من الداخل..!؟ إنني في قلق مستمر منذ مدة طويلة يا الله. ثمة شيء في قلبي أكبر من رياح، وأقل من عاصفة، يمزق طمأنينتي، يمزقني، يمزق كل شيء يا الله .. أريد أن أهدأ، أريد أن أبقى أنا ولكن بشكل أخف.🥺🙏بالسلامة يا غزة ❤️‍🩹.

‏من التعب والضغط النفسي والارهاق اللي احنا فيه أقسم بالله الواحد فينا صار مش قادر يكتب ولا يشرح ولا يعبر عن واقعنا بهالحرب، يعني كيف بدك تشرح للعالم إن البيت اللي هو المال المعوض، هو تعب الأهل على مر سنين، وإنه الأهل الأن بعمر يرتاحوا فيه مش يبلشوا من الصفر ! كيف بدك تشرح للعالم إنه حياتك كلها تدمرت وما في شي تبكي عليه، كيف بدك تشرح إن قد ما الحرب عملت فيك، لسا في جواها كتير تفاصيل موجعة ما حدا عارفها غيرك، كتير في حكي بس بتسكت و بتتنهد و بتحكي الحمد لله 💔😔بالسلامة يا غزة ❤️‍🩹.

اشتقنا لأبسط التفاصيل بحياتنا، اشتقنا ننام ونصحى بأمان وسلام من دون خوف وقلق ورعب وأصوات انفجارات، اشتقنا للأهل ولمتهم، اشتقنا نمشي بشوارع غزة من دون ما نشوف البيوت المدمرة والحارات والطرق المهدمة.😞اشتقنا لأصحابنا اللي راحوا وتركونا اشتقنا لكل اللحظات اللي كانت معهم. 🥺اشتقنا نسهر ونحكي وننبسط ونضحك ونلعب ونزور بعض ونغير جو ونشتغل ونشم هوا وناكل أكل نضيف، اشتقنا نمارس حياتنا الطبيعية، كلنا اشتقنا لحياتنا المملة اللي كانت قبل الحرب 💔😔بالسلامة يا غزة 🙏❤️‍🩹.

لا أمتلك رفاهية الكتابة هنا وأنا مُستلقي على سريري، أو جالس على مكتبي أحتسي قهوتي السوداء، ولا أن أتواجد بالساعات دون الاكتراث لشحن هاتفي، أكتب وما زالت مآسي الحرب تطرق عقلي وقلبي في كل حين، إنني أكتب والتعب يُنهك روحي، أكتب والقلق يُراودني في كل لحظة يسقط بها صاروخ على مدينتي..! أحياناً أتسائل هل الصاروخ القادم سيصيبني قبل أن أنهي هذا النص أم لا يزال لدي القليل من الأيام أو لربما الساعات لكتابة المزيد من هذه المعاناة....!؟ إنها أيامٌ عجافٌ لا عدد لها ولا نهاية، سنبلاتٌ يابسات تملأ حقولنا، قلوبٌ مُثقَلة، وجوهٌ تلوّنت بكل أشكال الأسى، كبرنا مئة عام، متنا ألف مرّة 💔😔بالسلامة يا غزة ❤️‍🩹 .