قيل للأحنف بن قيس : ممن تعلمت الحلم ؟ قال : من قيس بن عاصم المنقري، رأيته قاعدا بفناء داره مُحتبياً بحمائل سيفه يحدث قومه حتى أُتي برجل مكتوف ورجل مقتول، فقيل له: هذا ابن أخيك قتل ابنك ؟ فوالله ما حل حبوته، ولا قطع كلامه، ثم التفت إلى ابن أخيه فقال له : يا بن أخي، أثِمت بربك، ورميت نفسك بسهمك، وقتلت ابن عمك . ثم قال لابن له آخر : قم يا بني فوارِ ( ادفن ) أخاك، وحل كتاف ابن عمك ( أطلق سراحه )، وسُق إلى أمه مائة ناقة دية ابنها فإنها غريبة . وقالوا : ما قرن شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم، ومن عفو إلى قدرة. وقال لقمان الحكيم : ثلاثة لا تعرفهم إلا في ثلاثة : لا تعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا عند الحرب، ولا تعرف أخاك إلا إذا احتجت إليه .وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إذا سمعت الكلمة تؤذيك فطأطئ لها حتى تتخطاك . وقال الحسن : إنما يعرف الحلم عند الغضب فإذا لم تغضب لم تكن حليما . وقيل لقيس بن عاصم : ما الحلم ؟ قال : أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.وقال الحسن : المؤمن حليم لا يجهل وإن جُهل عليه، وتلا قول الله عز وجل : " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " وأسمع رجل عمر بن عبد العزيز بعض ما يكره، فقال : لا عليك، إنما أردتَ أن يستفزني الشيطان بعزة السلطان، فأنال منك اليوم ما تناله مني غدا، انصرف إذا شئت.وقال الأحنف : ما نازعني أحد قط إلا أخذت أمري بإحدى ثلاث : إن كان فوقي عرفت قدره ، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه ، وإن كان مثلي تفضلت عليه. وقالوا : لا يظهر الحلم إلا مع الانتصار ، كما لا يظهر العفو إلا مع الاقتدار .ألا إن حِـٌـلم المـــرء أكبر نسبةٍ يُسامى بها عند الفخار كريمُ فيا رب هب لي منك حِلماً فإنني أرى الحِلم لم يندم عليه حليمُالمصدر : العقد الفريد - ابن عبدربه الاندلسي
نسخ الرابط
5 
0 
نسخ الرابط
نسخ الرابط