close

تابع قصة لعبة البيتد. يوسف ادريسهذه المرة أيضًا أُعجب سامح بالحلة الألومنيوم الصغيرة، والوابور البريموس الصغير، وترابيزة المطبخ التي في حجم علبة الكبريت. واستكثر على فاتن أن تكون هي مالكة هذه اللعب الجميلة كلها … ثم انتابته الخفَّة والحماسة، فقام وأخذ ثلاثة ألواح خشبية كانت ساقطة من «المُلَّة» القديمة، ومضى يضعُها على حدِّها، ويقسِّم بها ما تحت السرير إلى أقسام، وهو يقول: دي أوضة السفرة … ودي أوضة النوم … وده المطبخ. وبدأت فاتن تنقل أشياءها إلى المطبخ، ووضعت الترابيزة في ركن ووضعت فوقها الوابور، ثم وضعت الحلة فوقه، وقالت: احنا اتأخرنا قوي … نطبخ إيه النهارده؟!فقال سامح في حماس: نطبخ رز … يلَّا نطبخ رز!وما لبث أن غادر تحت السرير في الحال وجرى إلى المطبخ، حيث ادَّعى لأمه أنه يبحث عن كُرته المفقودة في الدولاب، وعاد وقبضته الصغيرة مضمومة وموضوعة في جيب بنطلونه، وحين أصبح تحت السرير فتحها، ووضع محتوياتها من حبات الأرز القليلة في الحلة.وقالت فاتن وهي تتنهد: إِنت تروح الشغل وأنا أطبخ.فقال سامح: أروح الشغل إزاي؟فقالت: مش انت تروح الشغل … وأنا أطبخ؟فقال: إييه؟ … إنتي عايزة تلعبي لوحدك؟ … يا نطبخ سوا سوا يا بلاش.فقالت فاتن: لا يا سيدي … هي الرجالة تطبخ؟ … إنت تروح الشغل وأنا أطبخ … يا كده يا بلاش.فقال سامح: دي بواخة منك دي … عايزة تطبخي لوحدك، وتقوليلي روح الشغل؟ والله مانا رايح.واحتقن وجه فاتن غضبًا وقالت: طب هه.وأنزلت الحلة من فوق الوابور، ووضعتها في السبت.فقال سامح بغضب: هاتي الرز بتاعي … هو بتاعِك؟فأخرجت فاتن الحلة … وقلبتها على الأرض … وقالت: رزك أهه. جك قرف.ونشبت خناقة حادة … وكلٌّ يحاول أن يجمع حوائجه، هذه لي وليست لك … وشتمته ولعنت أباه، وغضِب سامح ودفعها، فسقطت منها العروسة … وأخيرًا جمعت فاتن أشياءها، ووضعتها كلها في السبت الصغير، وعلَّقت السبت في يدها، ورفعت داير السرير واختفت.واغتاظ سامح كثيرًا وهو يراقبها، وتمنى لو يلحقها قبل أن تغادر شقتهم ويضربها … بنت مثلها صغيرة ومفعوصة تريد أن تمشِّي عليه كلمتها. دائمًا تغيظه هكذا كلما لعِب معها، وكل مرة يلعب معها فيها يصمم ألا يعود للَّعب معها … في المرة القادمة سيضربها بالقلم لو فتَحت فمها … ولكن لا … لن تكون هناك مرة قادمة … لن يلعب معها أبدًا حتى لو أحضرتها أمها ورَجَته أن يلعب معها … بنت مفعوصة ذات سن أمامية مكسورة تغضب لأتفهِ سبب، وما أسرع ما تعلِّق سَبَتها في يدها وتتركه! … هي حرة، وحتى هو ليس في حاجة إليها ليلعب … يستطيع أن يلعب وحده ولا الحوجة إليها.وهكذا بدأ سامح يحاول أن يلعب لعبة البيت وحده، فراح يقيم الحواجز الخشبية التي هدمتها الخناقة، ويكلم نفسه بصوت عالٍ، وكأنه يريد أن يقسم نفسه إلى قسمين أو شخصين يلعبان معًا، أحدهما يتكلم والآخر يسمع. ومضى يقول: ودي أوضة السفرة، وده المطبخ … نطبخ إيه النهارده؟وأجاب على نفسه: رز.ولكنه غَيَّر رأيه بسرعة وقال: لأ … فاصوليا.وفكر أن يذهب ويسرق فاصوليا من المطبخ، ولكنه لم يجِد لديه حماسًا كافيًا لتنفيذ الفكرة … كان قد بدأ يدرك أنه يضحك على نفسه حين يقسم نفسه قسمَين يلعبان مع بعضهما … وبدأ يتبين أنه يلعب وحده فعلًا، وبدا حينئذٍ كل شيء ماسخًا وقبيحًا إلى درجة أنه لم يعُدْ يصدق أن ما تحت السرير بيت كما كان منذ دقائق مضت … بدأ يرى الألواح الخشبية مجرد ألواح، والدواية التي كان ينوي استعمالها حلَّة مجرد علبة ورنيش فارغة. لم يعُد ما تحت السرير بيتًا، ولا عادت الألواح الخشبية حُجرَ نوم وجلوس وسفرة.واغتاظ سامح … فمن دقائق قليلة، وحين كانت فاتن تلعب معه، كان يعتقد فعلًا أن المطبخ مطبخ، والصالة صالة، وحجرة السفرة حجرة سفرة. لماذا حين ذهبت وأصبح وحده بدأ يرى كل شيء سخيفًا مختلفًا، وكأن لعبة البيت لا تنفع إلا إذا لعِبها مع الست فاتن؟!وفي غمرة غيظه غادر ما تحت السرير، بل غادر الحجرة كلها، ومضى يلف في الصالة يبحث لنفسه عن لعبة أخرى يتسلَّى بها … وفي درج مكتب أبيه الأخير عثَر على حنفية قديمة، استغرب كيف كانت موجودة طوال هذه المدة في ذلك المكان، ولم يعثر عليها سوى اليوم. أخرج الحنفية ومضى يفتحها ويغلقها وينفخ فيها، ومضت في ذهنه فكرةنواصل ،،،،،

close
منتدى القصة القصيرة
المشرف Mustafa NASR  • 

لا توجد تعليقات حتى الآن!

كن أول من يعلق على هذا المنشور

تم نسخ الرابط بنجاح تم نسخ الرابط بنجاح
لقد تم ارسال الرمز بنجاح لقد تم ارسال الرمز بنجاح