close

تابع قصة لعبة البيت د.يوسف إدريس.وفي الطرقة بدأ يفكر … لا بد أن فاتن ذهبت إلى أمها باكية، ولا بد أن أمها أخذتها وأغلقت عليها الباب، ولن تسمح لها أبدًا باللعب معه مرة أخرى. إن أخوف ما يخافه لا بد قد حدث. يا له من غبي سخيف! لماذا أغضبها؟ لماذا لم يقُل لها: أنا رايح الشغل أهه، ويصل إلى باب الحجرة مثلًا ثم يعود ويقول لها: أنا رجعت م الشغل أهه. لماذا عاندها؟ وماذا يصنع الآن؟وهبط درجات السلم تائهًا، محتارًا، مترددًا بين أن يهبط، ويحاول أن يجد طفلًا من أولاد الحارة يلعب معه أسخف لعب؛ فهو لا يريد إلا أن يلعب مع فاتن لعبة البيت بالذات، وفاتن ذهبت إلى أمها ولن تعود أبدًا، أو أن يصعد ويدَّعي لأمه أنه سخن ومريض. وحتى لم يجد في نفسه أي رغبة أو حماس لكي يهبط أو يصعد أو يتحرك من مكانه أو أي شيء. كل ما أصبح يتمناه من قلبه وهو يهبط درجة ويتوقف درجات؛ أن تزل قدمه رغمًا عنه فيسقط ويتدحرج على السلم، ويظل رأسه يتخبط بين الدرجات، وكل خبطة تجرحه وتُسيل دماءَه.وحين وصل في هبوطه إلى باب شقة أم فاتن، كان الباب مغلقًا ومسدودًا، وكأن أصحابه سافروا أو عزَّلوا … ألقى نظرة واحدة على الباب، ولكنها جعلته يحس بالرغبة في البكاء، ويسرع بالهبوط.وقبل أن ينتهي السلم عند آخر بسطة، توقف حزينًا حائرًا، وكأن شيئًا ثمينًا جدًّا قد ضاع منه، وأخرج رأسه من درابزين السلم، وتركه يتدلى في يأس من حديد الدرابزين … ومضى يجلس على الأرض، ويفرد ساقيه بلا أي اهتمام بملابسه أو بما يلحقها، ثم يقف فجأة وقد قرر أن يكمل الهبوط، ولكنه يجد نفسه قد عاد للجلوس وإدلاء رأسه من حديد الدرابزين. وكلما تذكر أنه لولا عناده لكانت فاتن لا تزال تلعب معه، وكلما تصوَّر أنه قد حرم اللعب معها إلى الأبد، تمنى لو مرض فعلًا أو مات، أو أصبح يتيمًا من غير أب أو أم.ولم يصدق عينيه أول الأمر، ولكنه كان حقيقة هناك. على آخر درجة في السلم سبَت فاتن الصغير نائمًا على جنبه، والحلة الألومنيوم ساقطة منه. وهبط السلالم الباقية قفزًا، وتدحرج وعاد يقفز، وعلى آخر درجة وجد فاتن هناك … هي بعينها جالسة ورأسها بين يديها، وكانت تبكي ودموعها تسيل، وسبتها الصغير راقد بجوارها، والحلَّة قد تبعثرت منه.وأحاطها سامح بذراعيه واحتضنها، وراح يطبطب عليها بيديه الصغيرتين، ويُقبِّلها في وجهها وشعرها، ويقول لها، وكأنه يخاطب طفلة أصغر منه بكثير ويصالحها، وهو فرحان؛ لأنها لم تذهب لأمها ولا اشتكت: معلش، معلش، معلش.وجذبها برفق لينهضها، ونهضت معه بغير حماس، ودموعها لا تزال تتساقط … دموع حقيقية. وأعاد الحلة إلى السبت وعلَّقه في يدها، ومضى يصعد بها السلم وذراعه حولها، وهي مستكينة إليه لا تزال تدمع وجسدها ينتفض، ولكنها لا تقاومه ولا تتوقف عن السير معه .

close
منتدى القصة القصيرة
المشرف Mustafa NASR  • 

لا توجد تعليقات حتى الآن!

كن أول من يعلق على هذا المنشور

تم نسخ الرابط بنجاح تم نسخ الرابط بنجاح
لقد تم ارسال الرمز بنجاح لقد تم ارسال الرمز بنجاح