كان عسيري، في بدء العدوان على اليمن، يقول أنّه سيصل إلى صنعاء في ظرف عشرة أيام! يجتمع على صنعاء أراذلها في يومٍ مشهود، فيما تقوم جامعة الدول العربيّة بعملها المعتاد:وهو عملٌ في كل الأحوال- وكما تعرفون- غير صالح!ولا يجدر بالمرء- تعفّفا- الإشارة إليه في مقالٍ يتداوله النّاس!كان حلف الموتورين يستشعر في ذاته القوّة بإفراط، ولهذا- ومن موقع المتغطرس المُتباهي- فلم يكن اختيار عنوان "عاصفة الحزم" إلّا محض تجلٍّ لأوهام المغرورين.وإلا.. فتخيّلوا عنوانًا يجمع بين مفردتيّ "الحزم"، و"عاصفة".. في سطرٍ واحد!وكأيّ مغرورٍ يستشعر في ذاته القوة، وفي الوقت ذاته يستخفّ بعدوّه، فقد كانت الخطّة بالغة البساطة، يختزلها بالطبع عنوانها، أي:فلتضرب "المشاغبين" بكلّ قوة، وحزم.ووفقًا للمخطط فالعدو المشاغب سينهار من أول ضربةٍ بالطبع، ومع التهويل الإعلامي المصاحب فإنّ كلّ دفاعات العدو ستسقط أمامك، دفعةً واحدةً خلال يومٍ وليلة.وإذا كانت بغداد 2003 قد سقطت أمام دبابات العم سام خلال شهرٍ تقريبًا،فصنعاء المطحونة بالصراعات، والموبوءة بأتباع الرياض مسؤوليها السابقين، مفككة الدفاعات مهيكلة الجيش، سوف تسقط بالطبع خلال عشرة أيام!على أبعد تقدير!تعرفون بالطبع ما الذي حدث، لا ضرورة إذن للإسهاب، على أن أعنف اللحظات على صنعاء كانت بداياتها، ووفقًا لهذه الخطة فأنت مقامرٌ منذ البدء:إمّا أن تحقق أهدافك في الجولة الأولى، أي: تدخل صنعاء خلال أيام!أو تقضي على حماس خلال شهرين! وتصبح في التاريخ شمشونًا، أو هرقل!أو تتحول مع الوقت إلى مسخٍ وأضحوكة، تالياتك تبهت مع الوقت، وفي كلّ الأحوال فإنّك لن تكون قادرًا على تكرار ضربتك الأولى!تقتلك التكاليف بلا طائل،وبالطبع فإن كرامتك فيها ستكون أوّل الخسارات، وإذا أنجاك الله منها حيًّا يا طاووسها،فإنك ستخرج منها منتوف الريش في الأغلب، مكسور الكرامة والناموس على نحوٍ مؤكد!وفي الحقيقة فأنا في الفقرات السابقات لم أكّ لأحدثكم عن صنعاء فقط، وإنّما عن غزة!قارنوا بين المشهدين إجمالًا!لن تجدوا فرقًا بين عسيري وجالانت،بين كيان القاذورات وتحالف الموتورين.كلّ ما في الأمر أن رياح الطوفان تجري سراعا،وما استغرق من تحولاتها في صنعاء سنوات، يستغرق شهورًا في غزة، أيّامًا ربّما وساعات!على هذا النحو فقد كان الأكثر أهميّةً بعد طوفان الأقصى هو استيعاب الجولة الأولى، وكسر الغطرسة بالاستنزاف والصّبر!فلترجع البصر كرتين إذن!لنتفق أنه.. مع الوقت، في اليمن، كان تحالف الموتورين يتجرّع الخسارات، ويكويه اليأس.مع الوقت أيضًا، وفي المقابل، تصاعدت هجماتنا، وتضاعفت مع الوقت مؤشرات إيلامنا للعدو الطاووس، وتعاظمت القوة.مع الوقت في غزّة أيضًا،لا فرق الآن بين شعار "القضاء على حماس"، وشعار "سقوط صنعاء خلال أيّام".رغم إجرامه فلم يتمكن كيان القاذورات من إفراغ غزة، أو تهجير سكانها.رغم إجرامه أيضًا فلم يعد لدى تحالف الموتورين على صنعاء ما يتفاخر به، أو يحافظ به في أقل الأحوال على ما في وجهه من بقايا!كانت أميركا في البدء ترفض وقف العدوان علينا،وها نحن الآن في صنعاء نصفعها في البحر على خدّها الأيمن، فتدير لنا خدّها الأيسر!ثمّ تشكو بثّها لكلّ عابرٍ وقناة،تكتم غيظها وهي التي لم تكن قبلها من عباد الله المتقين!هي ذاتها، ترفض وقف العدوان على غزّة،لكنّ رفضها يخفت مع الوقت، فيما تنهار كرامة الكيان القذر مع الوقت، يقلّ زاده ويصدأ زناده!وغزّة مع الوقت هي التي ستضع شروطها،تصفع نتنياهو على خدّه الأيمن فيدير لها من فرط الذلّ خدّه الأيسر!أيّامٌ هي وعدّوها بعد هذا، ويرفع المتظاهرون في "غوش دان" صور السنوار، ويقتلع أراذلها المهزومين عينيّ نتنياهو.لا عن محبّةٍ للسنوار بالطّبع!ولكن لأنّ المنتصرين عبر التاريخ يفرضون شروطهم،ولا تبقى في الأذهان بعد انقشاع غبارها إلّا صورهم، هم لا غيرهم!فيما يتحوّل مستكبريها المهزومين إلى محض فراغاتٍ بين السطور، وهوامش لا تحفل بهم في العادة ذاكرة!"وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ"
نسخ الرابط