مدن_الملح#
جولة في مدن الملح (3)-----------------------------------------ملحوظة: الجزء (1) و(2) بالتعليقاتبعد أن انتهينا من قراءة الجزء الأول والثاني من رواية مدن الملح، وصلنا إلى الجزء الثالث، والذي أطلق عليه مؤلفها اسم تقاسيم الليل والنهار، وفي هذا الجزء يغوص بنا عبد الرحمن منيف في أعماق #الصحراء التي لا يعرفها إلا أهلها، ويسهب في وصف قاطنيها من #البدو، ويصف تركيبتهم النفسية التي تأثرت بنمط معيشتهم، ويصور لنا معارك الصحراء التي تنشأ بين شيوخ القبائل، ويوضح لنا دوافع هذه المعارك التي تشتعل من أجل صراع شيوخ القبائل و #الإمارات على موارد #المياه ومراعي الغنم، والتي تشكل مصدر الرزق الأساسية في هذا المجتمع البدوي القائم على #الرعي، وبعد أن يشركنا في هذه #المعارك، والتي تنتهي في الغالب بمطاردة لاستئصال العائلة التي كانت تحكم هذه المنطقة، حتي لا تعاود المناوشة مدفوعة بالطموح لاسترجاع سلطتها على المنطقة التي نزعت منها بالقوة.وقد جعل الكاتب من "موران" عاصمة السلطنة مركزا للأحداث في هذا الجزء ، كما كان الحال في الجزء الثاني، ولكنه رجع بنا إلى الماضي، ليبين لنا الطريقة التي قامت عليها هذه السلطنة، من معارك رهيبة أريقت فيها الدماء بغزارة شديدة تحت ستار #الدين والجهاد.شخصية السلطان "خريبط" مؤسس سلطنة موران، وعميل الإنجليز أو حليفهم إذا أردت تهذيب اللفظ، والذي لم نلتقي به إلا في مشهد احتضاره في بداية الجزء الثاني كانت هي الشخصية الرئيسية في هذا الجزء، والذي أبرز #الكاتب كيف حافظ هذا الرجل على تنفيذ تعليمات #الإنجليز وإطاعة أوامرهم ليوسع حدود سلطنته.تماهى خريبط مع رغبة #إنجلترا في إنشاء دول كبيرة نسبيا تستطيع من خلالها السيطرة على المنطقة بسهولة بدلا من أن تشتت نفسها بين أمراء القبائل ومشايخ الإمارات الصغيرة، فأمدوه بالأموال والأسلحة، وتغاضوا عن المجازر التي أرتكبها في خصومه وحلفائهم السابقين، الذين أدوا أدوارهم، وأصبحوا عبئا على انجلترا، لمطالبتهم بمقابل الخدمات التي أدوها للإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.في هذا الجزء تم تسليط الضوء على علماء السوء شيوخ السلطان ودورهم في شحن الناس وشراء ذمم زملائهم، عن طريق الرشاوي المقنعة، ومدى اهتمام خريبط بأن يكون جهاز كامل من هؤلاء #العلماء، ليستطيع التحكم في مشاعر العامة في أي وقت بتكفير من شاء وإلباس ثياب التقى والتدين لمن شاء، وقد أغدق خريبط #المال عليهم، وأذاقهم طعم الترف لكي لا يستطيعوا الاستغناء عنه أو عن أمواله، وكان خريبط يحاول إلباس حروبه مع خصومه صبغة الدين والجهاد، على الرغم من أنهم #مسلمون، ومن تسول له نفسه ويقوم بتنبيه الناس إلى أن دم المسلم حرام، كان يتم إعدامه بلا رحمة.وفي هذا الجزء أيضا ظهرت بوضوح شخصية الأمير فنر الذي أنتهى الجزء الثاني بوصوله إلى كرسي السلطنة على ظهر دبابة، وكيف أنه تتلمذ على يد عميل انجليزي، ذهب به أكثر من مره إلى إنجلترا كسفير عن والده السلطان، وعرفنا سبب قيامه بالانقلاب على أخوه السلطان خزعل، وظهر لنا بجلاء إيمانه الشديد بضرورة استقواء الحاكم بالدول الأجنبية. #الشعب في هذا الجزء كان يتحرك أما دفاعا عن القبيلة أو حمية للدين أو طمعا في المال والتقرب من السلطة، وكان الحاكم في هذا الوقت يخالطهم ويداريهم ويحسب لهم ألف حساب، فهم يده التي يبطش بها وقدمه التي يسير عليها، بدونهم لن يسعر #حرب ولن يدخل #معركة، فحكام هذا الوقت لم يعرفوا الجند النظامي بعد.وقد انتهى هذا الجزء بتمكن خريبط من هزيمة كل خصومه، وتربعه على عرش سلطنة موران التي أكلت ما حولها، لنعود إلى الحدث الأبرز الذي توقفنا عند في نهاية الجزء الثاني وهو انقلاب فنر على أخوه السلطان خزعل، لنرى ما تخبئه لنا صفحات الجزء الرابع. #مدن_الملح #روايات #تدوينات_باز #مدونات_باز
جولة في مدن الملح (2)-------------------------------عالجنا في الجزء الأول من #رواية #مدن_الملح (الرابط بأول تعليق)، والذي اختار له الكاتب عنوان "التيه"، وأدركنا حجم التغير الذي شهده #المجتمع الخليجي باكتشاف #النفط والبدء في إنتاجه، والتيه الحقيقي الذي عاشه هذا المجتمع بين قيمه البدوية الأصيلة وقيم التوحش المدني التي جعلته في صورة غاية في الارتباك، وقد اقتصرت رؤيتنا في هذا الجزء على واحة صغيرة محيت وعلى قرية صغيرة تحولت لشبه مدينة.أما في الجزء الثاني من #الرواية والذي اختار له الكاتب اسم "الأخدود" فإن الكاتب يصعد بنا للنظر للمشهد من أعلى مكان ممكن، أنت هنا تشاهد الدولة من قصر #السلطان الذي يقع في #العاصمة "موران"، وبعد أن كانت الأحداث تدور في الجزء الأول تحت خيمة بسيطة أو بيت من طين أو مأوى عمال تنقصه أساسيات الحياة، تدور أحداث الجزء الثاني داخل أروقة القصور المنيفة، والمكاتب الفخمة، والسيارات الفارهة، وبعد أن كان الأبطال الذين تدور الأحداث من حولهم بدوي بسيط أو عامل مطحون يعمل ليكسب قوت يومه، أصبحت تدور حول السلطان وحاشيته من الأمراء والمساعدين.بدأ الكاتب الجزء بوصف طبيعة أهل موران، التي اعتادت العيش في الفقر والجدب، والذين يتسموا بالتحفظ حيال الغرباء، كذلك وصف شكل بيوتها البسيطة المبنية بالطين، ليعرفك التغير الرهيب الذي حل بهذه المدينة المنسية، والتي أصبحت فجأة من أغنى مدن #العالم، أو إذا أردنا الدقة، فإن من يملكها يصبح من أغنياء العالم.استقبلت هذه المدينة الحكيم الذي عرفناه في الجزء الأول كطبيب بشري، هبط على حران عندما ذاع صيت الغنى الذي توفره لمن يعمل فيها، والذي استطاع في سنوات معدودات أن يكون من أكابرها الذين يشار إليهم بالبنان، دخل الحكيم موران العاصمة كصديق للسلطان، ثم استوطنها كمستشار لذلك السلطان الساذج الفاغر فاه باستمرار انبهارا بالاختراعات التي تتوالى على بلده ليل نهار، بعدما تدفق #المال في خزائنه كما يتدفق النفط في الأنابيب التي تغذي سفن العالم العطش لهذه السلعة النفيسة، وقد استغل الحكيم الفارق الشاسع في التعليم والثقافة بينه وبين السلطان، ليجعل هذا الأخير طوع بنانه، وليحاصره بأقاربه ومعارفه، ويحاول الإثراء من خلال إدخال السلع الحديثة إلى هذا #السوق البكر.ومن خلال شخصية الحكيم استطاع الكاتب أن يبين التحولات الخطيرة التي قد تحدثها السلطة والمال في شخصيات الرجال، فهذا الرجل تصور مع الوقت أنه أرسل إلى هذه المنطقة ليخرجها من ظلمات التخلف إلى نور المدنية والتقدم، متناسيا مدى جشعه، وحقارة استغلاله لمكانته من #السلطان للإثراء والاغتراف من خيرات هذه المنطقة، وتطورت حالة هذا الرجل ليتصور أنه #فيلسوف ملهم صاحب نظرية فلسفية لم يسبقه إليها أحد من العالمين، مع #العلم أن نظريته هذه محض هراء.وعن طريق التعمق في حياة الحكيم الأسرية، أبرز الكاتب الأثر الشنيع الذي قد ينعكس على الأسر نتيجة للاغتراب والانشغال بجمع المال، واللهاث خلف السلطة، عن تربية الأبناء ورعاية الزوجات، وقد ظهرت آثار الاغتراب الجانبية على أسرة الحكيم الذي انغمس في البحث عن السلطة والمال وترك بيته يحترق بالفتن والآثام، كذلك صور الكاتب أسرة أخرى كانت تتكون من شقيقين متلازمين، فرق بينهما اختلاف المشارب والأهواء في الغربة، على الرغم من صمود علاقتهم لعواصف ضارية وقتما كانوا في أوطانهم.أما عن التغيير الذي لحق #الشعب، فقد أراد الكاتب أن يبرزه عندما عاد في خضم الأحداث إلى "حران" تلك المدينة التي غادرناها معه منذ بداية الجزء الثاني، لينقل لنا مشهد يوضح إلى أي مصير وصل حال شعب المدينة التي ثار عندما قتل مجهول من كان يطلق عليه الحكيم لقب "متشرد"، وهذا المشهد يتلخص في قيام السلطات بقطع رأس شيخ عجوز وابنه الشاب لمجرد -اشتباههم- في قيامهم بتخريب خط أنابيب بترول، والغريب في الأمر أن هذا المشهد تم تحت سمع وبصر وتأييد من الناس، على الرغم من عدم إقامة أي محاكمة عادلة، وعدم وجود أي أدلة تؤكد هذا الزعم الذي زعمته السلطة قاطعة الرؤوس، ليقفز سؤال في ذهن القارئ، هل هؤلاء الناس هم نفس الأشخاص الذين رموا بأنفسهم أمام الرصاص لينقذوا أصدقائهم من ظلم #العسكر، كما رأينا في الجزء الأول؟!ووضح الكاتب في هذ الجزء أيضا كيفية تكوين الجهاز الإعلامي للدولة، وكيف أنه قام على أهل النفاق والباحثون عن المال، الذين عرضوا أقلامهم في سوق النخاسة، وسخروا علمهم الإعلامي لمن يدفع أكثر، وأظهر لنا حجم الأموال التي انفقت على #الصحف والمجلات لغسل أدمغة الشعب. لكن السلطة لم تكتفي بمحاولة غسيل دماغ المواطن، بل إنها تريد أن تتحكم في كل شيء في حياة المواطن، وترى في كل هامش حرية في حياته البسيطة تهديدا لوجودها وبقاءها، لذلك عمدت إلى تأسيس جهاز أمني لا هم له إلا أن يحصي أنفاس الناس، ورصد سكناتهم وحركاتهم، والتسرب في كل مكان في المجتمع بكل طبقاته، وقد سارع الأمريكان بتلقف الغر الذي وضع على رأس هذا الجهاز، وجعلوه ربيبهم وبهروه بعلمهم وخبرتهم في مجال التخابر، ليصبح هذا الجهاز تحت إدارتهم ورقابتهم.أما عن الناس في موران فقد عمد السلطان إلى إغراقهم بالمال وإنهاكهم بالتسابق في الاستهلاك، وذلك بدون التفكير في إقامة تنمية حقيقية عن طريق #التعليم والاهتمام بالبنية التحتية للدولة، فعلى عظم أموال هذه الدولة، إلا أنك لا تجد فيها جامعة محترمة أو مستشفى متقدمة، ليظهر لك مدى هشاشة أساس هذه الدولة الناشئة، وبالفعل ركضت معظم الناس في المضمار الذي رسمته السلطة لهم، ومن صرخ وقال بخطأ هذا المسار، أصبح من المغضوب عليهم.وإذا كان الجزء الأول قد انتهى بثورة شعبية أظهرت مروءة الشعب، فقد انتهى الجزء الثاني بانقلاب عزل فيه السلطان، وكانت الدبابات هي سيدة الموقف في هذا الانقلاب، أما الشعب فقد منع حتى من الفرجة على ما يحدث في الشوارع بفرض حظر التجول، مع موجة من الاعتقالات لكل من تشعر السلطة أنه صاحب فكر حر أو قلب شجاع، وسنرى في الجزء القادم ما آلت إليه مدن الملح.رابط المقال على مدونات الجزيرة:http://blogs.aljazeera.net/blogs/2017/8/10/" style="color:#ff5a5a; " href="http://blogs.aljazeera.net/blogs/2017/8/10/" target="_blank">http://blogs.aljazeera.net/blogs/2017/8/10/>جولة-في-مدن-الملح-2 #أنا_على_باز #قراء_باز
نسخ الرابط