Mohamed Ryad

أول ليلة وما أدراك ما هي..تتمايز القلوب وتفترق إلى فرقين، قلب مفعم بالإقبال، يبكي على عتبات المساجد وخلف سواريها، يقتنص فرصة لن تعوض، يعلم أنها أيام معدودات لن تلبث أن تنسل من بين يديه..وقلب لا يبالي.. لم يحس أصلا بما جرى من فتح أبواب الجنان، وغلق أبواب النيران، زكمت أنفه عن شم عبير الشهر المبارك، كل الأيام عنده سواء!تالله لن يسوي الله بينهما..

إلى القلوب الشاردة، والأنفس المتعبة، والكواهل المثقلة، والأبدان المعرضة، والأرواح البائسة..هنيئا لنا مقدم رمضان، نأرز إلى حصنه، ونستمطر نفحاته، ونلتمس بركاته، نأوي فيه إلى الله ونلتجيء إليه وبه نلوذ..هنيئا لأنفس تاقت إلى جوار الله بعد البُعد، هنيئا لنا الآيات التي تُتلى في المحاريب فتنزل على الأرواح العطشى ترويها، وعلى الأفئدة الجائعة تشبعها، وعلى القلوب القلِقة تطمئنها..مع هبوب نسائم الشهر المكرم وامتداد ظلاله وانتشار فيئه، وعلو سحائب الرحمة، كأني بالمنادي في آخر ليلة منه يقول: "أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ نَتَقَبَّلُ عَنۡهُمۡ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُوا۟ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَیِّـَٔاتِهِمۡ فِیۤ أَصۡحَـٰبِ ٱلۡجَنَّةِ"نسأل الله من فضله.

شاهدتُ تعليقات كثيرة لنساء وأصحاب عمار صغيرة، يخبرون بأنهم لا يستطيعون النوم، أو يصعب عليهم شرب الماء وأكل الطعام، أو لا يكفون عن البكاء، أو لا يفترون عن الدعاء..قلوبهم الدمَ تنزف، وعيونهم بالدمع تذرف، أجسادهم مرتعشة، وأيامهم عصيبة؛ معاناة إخوانهم تؤلمهم، وعجزهم عن نصرتهم يقتلهم، يودون لو افتدوهم بأرواحهم!آه لو حظي المسؤولون ببعض ما في قلوب هؤلاء، أو انخلعنا نحن الرجال من الضعف والخور، والجبن والذل؛ لآل أمرنا إلى نصر وعزة، وشرف ورفعة، ولاستحق جيلنا تأييد الله ومدده، ولحزنا شرف إضافتنا بالعبودية والجندية إلى الله جل شأنه في قوله: "أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" وقوله: "وإن جندنا لهم الغالبون"

حين تدعو الله راجيًا أمرًا دنيويًا، ثم تتأخر الإجابة أو تُمنعها؛ فلا تنس أن الحكيم الخبير يعلم وأنت لا تعلم، ولو كنتَ بما في يد الله أوثق مما في يدك لطابت نفسك ورضيت.