close
Descriptive Alt Text

هناك موجةٍ جديدة في عالم أفلام الرعب تتعامل مع خوفنا المتبادل من مجهولٍ ما بنهجٍ مختلف، موجةٍ تتعمق في النفس البشرية وتكشف عن أساريرها مدججة بمشاعرٍ وهواجس سلبية منها ما يتغذي علي مشاعر العزلةٍ التي تجتاح حياة الفرد و تؤول به إلي حالةٍ مزاجية سيئةٍ حيث ينتباه كوابيس التخوف من تعاملات البشر وممارساتهم تجاهه.ومنها ما هو تخوفٍ مكاني تفرضه عوازل طبيعيةٍ لا تنفك قتامتها ترخي بجائلٍ من الرهبة الغائرة التي ترمي بمعتنفها في غيابات إضطرابٍ لا يندمل. ومنها أيضاً ما يعكس تغير الإنسان من حالٍ إلي حال لدوافع عدة منها الشعور بفقدان الأهمية ونكران الذات التي تدفع به إلي مناطق الخطر والتورط في نزاعات وصراعات لا قبل له بها.بوصفه كحكاية ظلامية من قلب التراث الشعبي الأمريكي تدور في بدايات القرن السابع عشر، تعد التجربة الأولي للمخرج الشاب "روبرت إيجرز" خطوةٍ جريئة في عالمٍ الرعب لا تثيره بأفكارٍ مبتذلةٍ وغير تقليدية، بل تستحضر مخاوفه من وحي الحياة البرية المتوحشة وخطايا السكان الأصليين لإقليمٍ يأوي إليه الناس هرباً من حيواتهم المأساوية، ربما في كثير من النواحي يتشابه مع التوجه الزاهدي لكلاسيكيات أوروبية امثل"وينتر لايت" للسويدي المرموق "إنجمار بيرجمان"، لكنه يحتفظ بأصليته كرعب خارق للعادة.إعتمد "إيجرز" علي المزج بين العنصر التاريخي والفولكلوري كي يخلق أجواءٍ مثالية للرعب بخلفيةٍ دينية علي أعقاب هيسترية التطرف والتلبس الشيطاني التي أدت بدورها لعمليات إجراميةٍ شنيعة في العصور الوسطى والحديثة كقتل عدداً مهولاً من النساء بتهمة ممارسة السحر أو قطع الأشجار لكونها موطناً للجن وما شابه ذلك.وقصد في إختيار شخصياته علي كون تلك المذابح لا تدور سوي بين الإناث وخصوصاً الفتيات مما قد يشير إلى مسببات بيولوجية تطورية بتركيبة العقول الأنثوية، ومحدداً لإتجهاته في تفصيل حبكةٍ تتراوح معطياتها الأساسية بين غرابة الطبيعة وتفاصيل الفترة الزمنية القديمة، لذلك كانت التجربة متكاملة دقيقة نجحت في إنعاش النهج الروائي أفلام الرعب وإستثمرت كامل الفرص لتقديم ما يمكنه شحذ الجمهور لمتابعة فلسفةٍ جديدة لا تثير الفزع بأسلوبٍ تقليديٍ مُكرر.الفيلم يقص شريط إفتتاحه بإحدي أيام الشتاء البارد حينما يتم نفي عائلة بروستاتية من مزارع "نيو إنجلاند" حيث عاشوا فيها منذ القيام برحلةٍ شاقة عبر المحيط نحو ملاذٍ يكفيهم غياب الإستقرار الحياتي، ربما تفاصيل البداية غامضة بعد شئ ولكن بمرور الدقائق ووفقًا للتقاليد الأمريكية القديمة التي تنبعث من خلالها أصول القصة - فإن الجدال ديني بحت نابع من الشك في ولاة الأمور وحقيقة عالمٍ ربما يبدو ظاهرياً علي قدرٍ من المثالية لكنه في الأصل مفرغ من ممارسات الدين الصحيح ومدعيٍ لأحكامه التي لم يفرضها الإله كي تُنتهك لغاياتٍ أخري."لا يمكن أن أحكم على مسيحيين مزيفين ، لأنني لم أفعل شيئاً سوى التبشير بإنجيل الله الحقيقي" - يصرخ البطريرك المنفي على متهميه بحرقةٍ دون أن يجد تبريرٍ لكلامه ،وهكذا-وبعد مرور 90 ثانية على فيلم ينطلق بسرعة البرق دون تمهيد- يقود "ويليام" عائلته في البرية خارج أسوار القرية.لكن المصائب تتضاعف تدريجياً حينما يتعرض أحد أفراد العائلة لعملية إختطاف عن طريق كيانٍ غامض، فتزيد من بشاعة الظروف المحيطة ويصبح ولاء كل أفراد الأسرة علي المحك بعض أن تخلق الشك من ضباب الأحراش وأرخي بجائله في بواطن الجميع يدفعبهم لإرتكاب ما يبدد عقيداتهم الدينية.يكمن سر قابلية الفيلم في مواده التاريخية ( للعلم بالشئ،أشارت بطاقة العنوان الختامية إلى أن الكثير من الحوار يأتي "مباشرةً من المجلات اليومية والمذكرات وسجلات المحاكم") التي إستعان بها "روبرت إيجرز" في تقديم رؤيةُ فنية متكاملة الأركان تدق أسوار الخرافات القديمة بأقدام واثقة الخطوات وتنم عن وعيٍ كبير بأركان العالم المراد الخوض في تفاصيله ودقةٍ متناهية في وضع لمسةٍ عصرية علي حكايةٍ تعكف علي تعرية الجوانب المظلمة للنفس البشرية حينما يضعف إيمانها وتزلزل عند دواهي الفتن فتحاصرها الهواجس وتعبث بحنياها الظنون ويكفر الضمير عمداً فيظهر رغباتٍ دفينة تبعدهم عن طريق النور الذي تحدوا الكون من أجله.كما أنه إستفاد من كونه في الأصل مصممًا للإنتاج يمتلك أعينٍ دقيقة علي كافة التفاصيل في خلق عالماً متماسكًا بميزانية محدودة يتشابه شكلاً ومضموناً مع الأسس الحقيقية للعالم القديم بشريةٍ كانت أو مكانية أو حتي عقائدياُ ،وكل ذلك ساعد على جعل هذا الفلكلور الشعبي منطقياُ وحقيقياً في كل جوانبه.وقد أعرب "إيجرز" عن تأثره بأسلوب القيدوم "ستانلي كوبريك" الحاد الذي أتبعه في ""The Shining وإتباع بعضاً من منهاجه في إخراج تلك الملحمة الهستيرية بأسلوبٍ شكليٍ مباشر يجعل كل لقطة تشعر وكأنها تحث المتلقي على النظرعن كثب لمجمل رمزيات الفيلم وإسقاطاته المتعددة (كإستخدام الحيوانات كأحد أكثر الدلالات شيطنةً علي مر التاريخ).ذلك الإلتزام المباشر بالشق القصصي والبصري لن يكون ذو قيمةٍ بدون مشاركةٍ فعالة من فريقٍ تمثيلي بارع وأدئاتٍ جريئة ل"رالف إنيسون" و"كاتي ديكي" ألهبت وجدان عاشقي أفلام الرعب بغليانها وفوران المشاعر من فرط الظروف المحيطة التي لا بد أن تيهج لها أعتي القلوب وأكثرها تقوىً وورع.لكن تبقي "أنا تايلور جوي" الحدث الأهم الذي لفت إليها كافة الأنظار بعدما امتلكت الفيلم بتجسيدها الناضج لمعاني الصدمة ووهن الإيمان الإستسلام لنزوات الشر التي ترغب في ضمها إلي صفوف المتذرعين بقويٍ خبيثة ملتوية تحمل في طياتها ندائاتٍ شيطانية.ولذا، أثبت "روبرت إيجرز" بأنه لا صعوبة في تخطي عقبات الإختبار الصعب التي فرضته سينما الرعب علي صناع الأفلام الشبان ويقتضي بالجمع بين القيمة الفنية والنظرة الفلسفية والمادة المرعبة التي تنتزع أهات المشاهدين بضرواةٍ وفعالية تامة، فما قدمه هنا يجدد الأمل في نبذ الإبتذال ومراعاة التجدد الإبداعي لنيل ثقة الجمهور بوسائل جديدة تستثمر فقط أجواء الرعب الداكنة لكنها تحمل منظوراً أخر يقرب للواقعية وتمرق بها إلي دهاليزٍ معتمة كي ينبلج منها ما يجعل الفرد يتدبر حياته ويرصد ما يجب تغييره من سلبيات وما إلي ذلك.THE WITCH....2015

close
Osama Said

هناك موجةٍ جديدة في عالم أفلام الرعب تتعامل مع خوفنا المتبادل من مجهولٍ ما بنهجٍ مختلف، موجةٍ تتعمق في النفس البشرية وتكشف عن أساريرها مدججة بمشاعرٍ وهواجس سلبية منها ما يتغذي علي مشاعر العزلةٍ التي تجتاح حياة الفرد و تؤول به إلي حالةٍ مزاجية سيئةٍ حيث ينتباه كوابيس التخوف من تعاملات البشر وممارساتهم تجاهه.ومنها ما هو تخوفٍ مكاني تفرضه عوازل طبيعيةٍ لا تنفك قتامتها ترخي بجائلٍ من الرهبة الغائرة التي ترمي بمعتنفها في غيابات إضطرابٍ لا يندمل. ومنها أيضاً ما يعكس تغير الإنسان من حالٍ إلي حال لدوافع عدة منها الشعور بفقدان الأهمية ونكران الذات التي تدفع به إلي مناطق الخطر والتورط في نزاعات وصراعات لا قبل له بها.بوصفه كحكاية ظلامية من قلب التراث الشعبي الأمريكي تدور في بدايات القرن السابع عشر، تعد التجربة الأولي للمخرج الشاب "روبرت إيجرز" خطوةٍ جريئة في عالمٍ الرعب لا تثيره بأفكارٍ مبتذلةٍ وغير تقليدية، بل تستحضر مخاوفه من وحي الحياة البرية المتوحشة وخطايا السكان الأصليين لإقليمٍ يأوي إليه الناس هرباً من حيواتهم المأساوية، ربما في كثير من النواحي يتشابه مع التوجه الزاهدي لكلاسيكيات أوروبية امثل"وينتر لايت" للسويدي المرموق "إنجمار بيرجمان"، لكنه يحتفظ بأصليته كرعب خارق للعادة.إعتمد "إيجرز" علي المزج بين العنصر التاريخي والفولكلوري كي يخلق أجواءٍ مثالية للرعب بخلفيةٍ دينية علي أعقاب هيسترية التطرف والتلبس الشيطاني التي أدت بدورها لعمليات إجراميةٍ شنيعة في العصور الوسطى والحديثة كقتل عدداً مهولاً من النساء بتهمة ممارسة السحر أو قطع الأشجار لكونها موطناً للجن وما شابه ذلك.وقصد في إختيار شخصياته علي كون تلك المذابح لا تدور سوي بين الإناث وخصوصاً الفتيات مما قد يشير إلى مسببات بيولوجية تطورية بتركيبة العقول الأنثوية، ومحدداً لإتجهاته في تفصيل حبكةٍ تتراوح معطياتها الأساسية بين غرابة الطبيعة وتفاصيل الفترة الزمنية القديمة، لذلك كانت التجربة متكاملة دقيقة نجحت في إنعاش النهج الروائي أفلام الرعب وإستثمرت كامل الفرص لتقديم ما يمكنه شحذ الجمهور لمتابعة فلسفةٍ جديدة لا تثير الفزع بأسلوبٍ تقليديٍ مُكرر.الفيلم يقص شريط إفتتاحه بإحدي أيام الشتاء البارد حينما يتم نفي عائلة بروستاتية من مزارع "نيو إنجلاند" حيث عاشوا فيها منذ القيام برحلةٍ شاقة عبر المحيط نحو ملاذٍ يكفيهم غياب الإستقرار الحياتي، ربما تفاصيل البداية غامضة بعد شئ ولكن بمرور الدقائق ووفقًا للتقاليد الأمريكية القديمة التي تنبعث من خلالها أصول القصة - فإن الجدال ديني بحت نابع من الشك في ولاة الأمور وحقيقة عالمٍ ربما يبدو ظاهرياً علي قدرٍ من المثالية لكنه في الأصل مفرغ من ممارسات الدين الصحيح ومدعيٍ لأحكامه التي لم يفرضها الإله كي تُنتهك لغاياتٍ أخري."لا يمكن أن أحكم على مسيحيين مزيفين ، لأنني لم أفعل شيئاً سوى التبشير بإنجيل الله الحقيقي" - يصرخ البطريرك المنفي على متهميه بحرقةٍ دون أن يجد تبريرٍ لكلامه ،وهكذا-وبعد مرور 90 ثانية على فيلم ينطلق بسرعة البرق دون تمهيد- يقود "ويليام" عائلته في البرية خارج أسوار القرية.لكن المصائب تتضاعف تدريجياً حينما يتعرض أحد أفراد العائلة لعملية إختطاف عن طريق كيانٍ غامض، فتزيد من بشاعة الظروف المحيطة ويصبح ولاء كل أفراد الأسرة علي المحك بعض أن تخلق الشك من ضباب الأحراش وأرخي بجائله في بواطن الجميع يدفعبهم لإرتكاب ما يبدد عقيداتهم الدينية.يكمن سر قابلية الفيلم في مواده التاريخية ( للعلم بالشئ،أشارت بطاقة العنوان الختامية إلى أن الكثير من الحوار يأتي "مباشرةً من المجلات اليومية والمذكرات وسجلات المحاكم") التي إستعان بها "روبرت إيجرز" في تقديم رؤيةُ فنية متكاملة الأركان تدق أسوار الخرافات القديمة بأقدام واثقة الخطوات وتنم عن وعيٍ كبير بأركان العالم المراد الخوض في تفاصيله ودقةٍ متناهية في وضع لمسةٍ عصرية علي حكايةٍ تعكف علي تعرية الجوانب المظلمة للنفس البشرية حينما يضعف إيمانها وتزلزل عند دواهي الفتن فتحاصرها الهواجس وتعبث بحنياها الظنون ويكفر الضمير عمداً فيظهر رغباتٍ دفينة تبعدهم عن طريق النور الذي تحدوا الكون من أجله.كما أنه إستفاد من كونه في الأصل مصممًا للإنتاج يمتلك أعينٍ دقيقة علي كافة التفاصيل في خلق عالماً متماسكًا بميزانية محدودة يتشابه شكلاً ومضموناً مع الأسس الحقيقية للعالم القديم بشريةٍ كانت أو مكانية أو حتي عقائدياُ ،وكل ذلك ساعد على جعل هذا الفلكلور الشعبي منطقياُ وحقيقياً في كل جوانبه.وقد أعرب "إيجرز" عن تأثره بأسلوب القيدوم "ستانلي كوبريك" الحاد الذي أتبعه في ""The Shining وإتباع بعضاً من منهاجه في إخراج تلك الملحمة الهستيرية بأسلوبٍ شكليٍ مباشر يجعل كل لقطة تشعر وكأنها تحث المتلقي على النظرعن كثب لمجمل رمزيات الفيلم وإسقاطاته المتعددة (كإستخدام الحيوانات كأحد أكثر الدلالات شيطنةً علي مر التاريخ).ذلك الإلتزام المباشر بالشق القصصي والبصري لن يكون ذو قيمةٍ بدون مشاركةٍ فعالة من فريقٍ تمثيلي بارع وأدئاتٍ جريئة ل"رالف إنيسون" و"كاتي ديكي" ألهبت وجدان عاشقي أفلام الرعب بغليانها وفوران المشاعر من فرط الظروف المحيطة التي لا بد أن تيهج لها أعتي القلوب وأكثرها تقوىً وورع.لكن تبقي "أنا تايلور جوي" الحدث الأهم الذي لفت إليها كافة الأنظار بعدما امتلكت الفيلم بتجسيدها الناضج لمعاني الصدمة ووهن الإيمان الإستسلام لنزوات الشر التي ترغب في ضمها إلي صفوف المتذرعين بقويٍ خبيثة ملتوية تحمل في طياتها ندائاتٍ شيطانية.ولذا، أثبت "روبرت إيجرز" بأنه لا صعوبة في تخطي عقبات الإختبار الصعب التي فرضته سينما الرعب علي صناع الأفلام الشبان ويقتضي بالجمع بين القيمة الفنية والنظرة الفلسفية والمادة المرعبة التي تنتزع أهات المشاهدين بضرواةٍ وفعالية تامة، فما قدمه هنا يجدد الأمل في نبذ الإبتذال ومراعاة التجدد الإبداعي لنيل ثقة الجمهور بوسائل جديدة تستثمر فقط أجواء الرعب الداكنة لكنها تحمل منظوراً أخر يقرب للواقعية وتمرق بها إلي دهاليزٍ معتمة كي ينبلج منها ما يجعل الفرد يتدبر حياته ويرصد ما يجب تغييره من سلبيات وما إلي ذلك.THE WITCH....2015

لا توجد تعليقات حتى الآن!

كن أول من يعلق على هذا المنشور

تم نسخ الرابط بنجاح تم نسخ الرابط بنجاح
لقد تم ارسال الرمز بنجاح لقد تم ارسال الرمز بنجاح