close

إيَّاكَ أن تعتادَ مشهدَ موتهم!روى البُخاريُّ في صحيحه إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، أُتِيَ بطَعَامٍ وكانَ صَائِمًا، فَقالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وهو خَيْرٌ مِنِّي، كُفِّنَ في بُرْدَةٍ، إنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ، بَدَتْ رِجْلَاهُ، وإنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ! وقُتِلَ حَمْزَةُ وهو خَيْرٌ مِنِّي، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا ما بُسِطَ، وقدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ.بقيَ عبدُ الرَّحمن بن عوفٍ يذكرُ مصابَ أصحابه وقد مضى على استشهادهم سنواتٌ طِوال، فإيَّاكَ أنتَ أن تألفَ مصاب أهلكَ في غزَّة ودمهم لم يجفَّ بعد، بل ما زال يُسفح كلَّ يومٍ على مرأى ومشهدٍ منَّا جميعاً!إيَّاكَ أن ترى دماءهم ثم تتخطى المشهد كأنَّ هذا الشيء المسكوب ماء! الدَّمُ يبقى دماً ما دام له طُلاب ثأرٍ، فإن قعدَ أهله عن ثأره صار ماءً، وإنّي أُعيذكَ أن يغدو دمهم في عينيك ماءً!إيَّاكَ أن ترى مشهد المنزل قد هُدمَ على رؤوس أهله ثم تتجاوزه وكأنَّه بيتٌ من رملٍ بناه طفلٌ على الشاطىء ثم جاء الموجُ وهدمه! ليس هذا كذاك، هنا عائلة، زوج وزوجة وأولاد، عشْ دوماً كأنَّ هذا البيت بيتك، وكأنَّ هؤلاء كلّهم أهلكَ!إيَّاكَ أن يمرَّ بكَ خبر استشهاد الثلاثين في يومٍ واحدٍ بارداً لأنك اعتدتَ على حرارة الرقم مئة! هؤلاء ليسوا أرقاماً، هؤلاء ناس كان لهم أحلام وطموح ومشاعر وأحباب، هؤلاء كانوا مثلي ومثلك فجعلتهم القذائف أشلاءً، ونشرات الأخبار أرقاماً، فلا تنسَ كيف كانوا قبل أن يُصبحوا خبراً عاجلاً على الشّاشة!إيَّاكَ أن تملَّ من متابعة أخبارهم، هم لم يملُّوا بعد من تقديم أنفسهم وأحبابهم قرابين لله، مهراً للجنَّةِ، وثمناً للعِزَّةِ! فأيُّ عارٍ أكثر من أن يثبتَ المقتول أشلاءً ويسأم المتفرِّج!إيَّاكَ أن ترجعَ إلى حياتكَ العادية وتتركهم، فهم لم يرجعوا بعد! فمُقَاتِلُهم ما زال في خندقه وجبهته، و مدنيُّهم إمَّا جائعاً خائفاً في بيته، أو مذلولاً في خيم النُّزوح!إيَّاكَ أن تملَّ من المقاطعة فإنَّ السبب الذي لأجله قاطعتَ لم يزل قائماً، لا تدفع ثمن الأسلحة التي يُقتلون بها لأجل شهوة بطنٍ يمكنه أن يعتاضَ بغيرها!إيَّاكَ أن تنسحبَ من الحدث كمن كان يُشاهد مسلسلاً طال ولم يعد يهتمّ ما ستكون نهايته، هذا مخاض أمة كاملة، نصرها نصرك، وعزُّها عزَّك، وإن تمكّن العدوُّ من غزَّة فإنَّكَ التالي!إنِّي أُعيذكَ أن تغيبَ عن هذه المذبحة على الأقل بقلبك!إني أعيذكَ أن تستطيب لقمةً وأطفالهم جوعى، وأن تأنس بسقفٍ فوق رأسكَ وهم في العراء! إني أُعيذك أن تضع يدك على عينيك لأن المشهد دامٍ، وأن تضع يديك في أذنيك لأن صراخهم فيه وجع!إني أُعيذكَ وأُعيذني وأُعيذنا أن يغدو مشهد موتهم مألوفاً! أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية

close
رحمة الظيظي

لا توجد تعليقات حتى الآن!

كن أول من يعلق على هذا المنشور

تم نسخ الرابط بنجاح تم نسخ الرابط بنجاح
لقد تم ارسال الرمز بنجاح لقد تم ارسال الرمز بنجاح