close

خُطُوَاتُ الشَّيْطَان------------لا يهوي الشيطان بالإنسان في دركات الغواية إلا على مِحَفّةِ "التدرج"، فلا يروم غالبا نقله من أوج واجبٍ إلى هُوَّة حرام، ولكنه ينزل به إلى مباح، ثم إلى مكروه، ثم إلى ما فيه شبهة، حتى إذا فرغ من قلقلة عزمه، دعاه إلى الحرام النص، فلم ير إلا سامعًا مطيعًا.وربما آنس منه انبعاث شهوة في قلبه، فإذا به يُخْلِي يديه إلا من إذكاء نارها، كلما خبت زادها سعيرا، وإذا المخذولُ عونُه على نفسه، من حيث لم يدر أن السم في الدسم.وربما تنقَّل به في المحرمات من الخفيف، إلى الشديد، إلى الأشد، وهذا أهون ما يكون عليه من سبل الإغواء، وذلك أنه يرمي بقرينه على الطريق، ثم يدع النفسَ تُتمُّ المسير، ولا أخبثَ منها عداءً؛ لأنها عدو تَراءى في ثياب صديق.ومثال هذا النمط الأخير قولُ الشاعر:نظرةٌ، فابتسامةٌ، فسلامٌ ** فكلامٌ، فموعدٌ، فَلقاءُ!فإبليس يدعو إلى النظرة، ثم تضطلع النفسُ بما بقي، وهذا من معنى ما ورد-على ضعفه-: "إِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ..." الحديث.فما عزا إليه سوى النظرة، ووصف القرآنُ كيدَه بالضعف، وإنما يتقوى بالإلحاح، وكثرة التصرف في الحيل، وطلب المعونة ممن جمعتهم به عداوتُك، وأعتاهُمْ نفسُك التي بين جنبيك، فليس من عجبٍ إذن أن تتجه إليها هممُ المشايخ في تربية المريدين؛ فإن المريد إذا رزق موتَ النفس هان عليه أمرُ الشيطان جدا، بل يكون هذا ألعوبةً بين يديه، كلما أتاه بنزغ سوءٍ استثمر الوليُّ منه خيرًا، فيرجع إبليس خاسئًا وهو حسير.ومن هذا الاستثمار المعكوس الانتفاعُ في باب الهداية بطريقة الشيطان في الغواية؛ أعني سنةَ "التدرج"، فلا تجمعِ الطاعاتِ كلَّها على شقي ترجو صلاحه، ولكن تألفْه بما يحبُّ حتى يحبك ويحبَّ ما تدعوه إليه.قال الأشياخ رضي الله عنهم: إذا أتيتَ على قوم يعبدون البقر، فابدأ دعوتهم إلى الله تعالى بإطعام بقرتهم حزمةً من حشيش؛ فإنك ما تألفت الناس ألفوك، وإذا ألفوك أحبوك، وإذا أحبوك أسلسوا لك مقادتهم، فحدوتَهم حَدْو الإبل، أو سقتهم سَوْقَ الشاء. وقالوا أيضا: إذا لقيت المريدَ وغشيتُه فترةٌ في العبادة، فسله عن أولاده قبل أن تسأله عن أوراده.وهذا المعنى يغيب عن كثير ممن اشتغل بالدعوة؛ لأنه يدعو الناس ونفسُه لم تزل هنالك.. بين جنبيه، تُملي عليه ويَكتب، فكيف يستقيم الظل والعود أعوج؟! وما رأيت أجمع للفرق بين الداعي المؤيَّد، والداعية الطفيلي من قول شوقي (رحمه الله) يخاطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:داويتَ مُتَّئِدًا، وداوَوْا طفرةً ** وأخفُّ من بعض الدواءِ الداءُ!

close
Nouredine Biteur

لا توجد تعليقات حتى الآن!

كن أول من يعلق على هذا المنشور

تم نسخ الرابط بنجاح تم نسخ الرابط بنجاح
لقد تم ارسال الرمز بنجاح لقد تم ارسال الرمز بنجاح