close

الشيخ الزنداني سيرة ومسيرة.(2) الزنداني واحد من الشخصيات الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين ومطلع الحادي والعشرين التي حاولت إعادة تغيير مجرى النهر، وكانت غايته القصوى عودة الإسلام لمركزيته في الأرض. ولذا ستضل أصداؤه تتردد بين مادحيه وناقديه، فالشخصيات التي أثارت النقع، وصاغت سطور التاريخ في حياتها تبقى أفكارها ومواقفها تتوقد يقظة بعد مماتها. الإيمان المصطلح لم يمل الشيخ من ترداده وشرح مفرداته، المصطلح الذي خيم على أفكاره، كان الإيمان هدفا ساميا ناضل الشيخ الزنداني من أجل سيادته، وانفق حياته كلها في سبيل صبغِ الحياةِ بمعانيه. كتب الشيخ كتابًا في الإيمان، حاضر ودرس عن الإيمان، بنى جامعة الإيمان، الإيمان هو (الباسورد) الذي يفتح لك شخصية الشيخ، ويطلعك على سيرته الذاتية، من أراد أن يقرأ الشيخ في سياقه فليقرأ الفكرة القلقة التي كانت تتوقد في ذهنه صباح مساء.للفكرة تلبسٌ بأصحابها حتى غدت بهم وغدوا يعرفون بها فإذا ذكر الطبري ذكر التفسير، وإذا ذكر ابن خلدون ذكر التاريخ، وإذا ذكر البخاري ذكر الحديث، وإذا ذكر الزنداني ذكر الإعجاز العلمي.كان الشيخ نشيطا يجد في زراعة الجيل الإسلامي على تربة الخرائط العالمية دون رحيل، فما غاب يوما عن الحضور، ولا نسي في رحلاته البذور.الشيخ الزنداني لا يمثل فردًا في ركاب العلماء، بل هو مرحلة كاملة من تاريخ الأمة اليمنية المجاهدة بالعلم وغرس المعرفة، هو سلسلة ممتدة يتصل إسنادها بابن الوزير والصنعاني والمَقْبَلِي والشوكاني والزبيري، وبقية أفراد مدرسة الاجتهاد اليماني الحر التي أنجبت «العواصم من القواصم» و «العلم الشامخ» و «السيل الجرار» وكلها عناوينُ ثورية، تعبر عن اليقظة الفكرية الوثابة لعلماء اليمن.الشيخ الزنداني معمار آخر في مدرسة الإصلاح اليماني الحر، ليس مجرد عالم شرعي ينشر مواد العلم، بقدر ما هو مدرسة علمية تطبيقية تراحبت فيها قيم العلم، وسُطرت فيها صفحات من جهاد العلماء، وانداحت في رحابها مواقف الربانيين. فجمعت شخصيته بين العلم الشرعي والموقف الشرعي، وقدم في مسيرته الإحيائية (سلامة المنهج) على (منهج السلامة). فكان أحد أعضاء حركة الإحياء السني في القطر اليماني، فأسس أبرز محاضن العلم، وأنشأ كيانا جامعا للعلماء، وقاد الحوارات الاقتصادية والسياسية، وكان زئيره الخطابي مُعثِّرا لحركات الإفساد المجتمعي التي كانت تتوغل بمشاريعها في صلب المجتمع اليمني، فكانت تحسب لوثبته ألف حساب. كانت أسراب الدعاية التي تصدرها المطابخ الإعلامية تزداد فتكا بالشيخ وتنال من جهده ومجهوده، وتحاول إحكام قيوده، فما لانت عريكته ولا تراجعت وثبته.وها هو الشيخ يموت في أرض الفاتحين محتفظا بإيمانه غير مساوم به، ها هو يموت مهاجرا على أمل العودة، وحسبنا أن أجره قد وقع على الله (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله). رحم الله الشيخ الزنداني وأجزل في العالمين مثوبته.وعزائي لأهله وذويه ومحبيه.

close
أحمد الجارحي

لا توجد تعليقات حتى الآن!

كن أول من يعلق على هذا المنشور

تم نسخ الرابط بنجاح تم نسخ الرابط بنجاح
لقد تم ارسال الرمز بنجاح لقد تم ارسال الرمز بنجاح